المسؤولين قبيل المنصب وبعده
المقالة منقولة
ما أكثر المسؤولين من مدعي العبقرية والجهبذة راصفي الكلمات المنمقة والشعارات الوطنية البراقة قبل تسنمهم لمناصبهم, من الذين اشبعوا الشعب ضجيجا وصخبا وصدعوا رأسه بالكلام الأجوف وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسيرهم الذاتية المبهرة وشهاداتهم العليا التي تجعلهم لان يكونوا مؤهلين لإدارة وزاراتهم ومؤسساتهم ونقلها من حال الى حال, ولكن ما هي إلا أيام معدودة بعد تسنمهم مناصبهم حتى يظهر هؤلاء المسؤولين العباقرة ما هم إلا أقزام بملابس فضفاضة اكبر من حجمهم بكثير.
وما أن يتقلد هذا المسؤول المنصب حتى وعمت الجماهير الفرحة والسعادة بوصول هذا الشخص الوطني وصاحب القدرات العلمية الخارقة عله سيلتزم بما وعدهم به مما كان يرفعه من شعارات ومن دموع كان يذرفها على هذا الشعب المسكين الذي وجد فيه القشة التي يجب أن يتمسك بها في بحر متلاطم الأمواج ممنيا النفس بقرب الخلاص ووصوله الى بر الأمان, ولكن ما هي إلا أيام معدودة حتى يظهر زيف ادعاءه ووهن وطنيته, فلا برامج له ولا كفاءة طبل لها وزمر، وحين تصل إليه بشق الأنفس وتسأله عن تلك المشاريع التي كان يتحدث عنها قبيل وصوله إلى المنصب ... فيرد عليك بكل برود نحن لا نملك عصا سحرية وبحاجة إلى وقت كاف للدراسة والتمحيص والتدقيق ووضع البرامج، فيظل أولئك البسطاء الذي سعوا لإيصاله إلى المنصب ينتظرون عاماً بعد عام ومسؤولا بعد آخر وحكومة بعد أخرى ثم تذهب أحلامهم إدراج الرياح, ومثل هؤلاء المسؤولين المتقنعين بالوطنية والقدرات هم المارقين حقاً وهم أعداء الوطن الذين أعادوه الى الخلف بعشرات السنين, وما أن تمر فترة من الزمن إلا وتلك الوزارة او المؤسسة قد تدهورت وتراجعت على كل المستويات وهذا المسؤول الأسطورة الذي كان ينظر إليه قبل توليه المسؤولية بأنه المنقذ قد أضحى يرمي بكل فشله وتصرفاته الغير مسؤولة على المحاصصة ( التي هي من أوصلته) وعلى قلة التخصيصات المالية وقلة الصلاحيات الممنوحة والى غير ذلك من الأسباب الواهية, وكان مهمته كانت هي التفرج والاكتفاء بما يمنحه المنصب له من امتيازات فاحشة وليس معالجة الانحرافات, وقد يتفذلك هذا المسؤول ويتحاذق ليعيد خطاباته الرنانة وانجازاته المهولة وهي في اغلبها ينتهي زمن أجازها بعد انتهاء فترة ولايته وقد تتساقط أوراق التوت سريعا عنه فتنكشف عوراته فلا مشاريع قد بوشر بها لانجازها ولا عقود حقيقية قد أبرمت فيما تبخرت التخصيصات المالية واختفت كما يختفي المسؤول بعد انتهاء ولايته او إقالته, وقد تشاء الأقدار بتغيير هذا المسؤول الفاشل والسارق والنهاب ويؤتى بشخص آخر، ويعلم الله كيف سيكون حال الخلف إن لم يكن أسوأ من السلف, هؤلاء الأشخاص ما إن يصل أحدهم إلى المنصب فيقوم بالنهب والسلب وتسخير كل المقدرات الوظيفة لصالحه وحزبه وكتلته التي سيتمترس خلفها ويحتمي بها, ومن أجل تسهيل السرقة له والتجاوز على الأنظمة والقوانين فيعمد على جعل معظم موظفي تلك المؤسسة سراقين ونهابين كما هو الحال عليه هو.
وبعد أن أزعج هذا المسؤول الناس بوطنيته وقدراته قبل وصوله إلى المنصب فتراه وبعد أن شاء الله بتغييره او انتهاء فترة توليه المنصب قد حزم حقائبه وانطلق مسرعا الى حيث اتجهت أموال الشعب المنهوبة وعينه على فترة وزارية أخرى يعود فيها ليمارس لعبة الغش والخداع على أبناء شعبه مادامت القوانين لا تطاله وجنسية أخرى تمنحه الحصانة من الملاحقات القضائية إن وجدت التي غدونا نسمع بها فلا نراها.
ولكن لمن علينا أن نوجه الاتهام لتولي هؤلاء الوطنيين جدا لمناصبهم؟ بالتأكيد لايمكن لنا إلا أن نلوم الشعب والشعب وحده الذي أبى إلا أن يلدغ من جحر مرات ومرات...